فصل: فَصْلٌ: (فَسْخُ الْمُضَارَبَةِ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى



.(فَرْعٌ): [مِنْ أَخَذَ مِن رَجُلٍ مِائَةً قِرَاضًا ثُمَّ أَخَذَ مِنْ آخَرَ مِثْلَهَا]:

(لَوْ) أَخَذَ عَامِلٌ مِنْ رَجُلٍ مِائَةً قِرَاضًا، ثُمَّ أَخَذَ مِنْ آخَرَ مِثْلَهَا، و(اشْتَرَى الْعَامِلُ) الَّذِي أَخَذَ مَالًا (لِاثْنَيْنِ بِرَأْسِ مَالِ كُلِّ وَاحِدٍ) مِنْ الِاثْنَيْنِ- وَهُوَ الْمِائَةُ فِي الْمِثَالِ- (أَمَةً أَوْ نَحْوَهَا) كَعَبْدَيْنِ أَوْ فَرَسَيْنِ، (وَاشْتَبَهَا)- أَيْ الْأَمَتَانِ أَوْ الْعَبْدَانِ أَوْ الْفَرَسَانِ- وَلَمْ تَتَمَيَّزَا فَقَالَ الْمُوَفَّقُ (فِي الْمُغْنِي يَصْطَلِحَانِ) عَلَيْهِمَا؛ كَمَا لَوْ كَانَتْ لِرَجُلٍ حِنْطَةٌ، فَانْثَالَتْ عَلَيْهَا أُخْرَى، (وَقِيلَ)؛ أَيْ: قَالَ الْقَاضِي: فِي ذَلِكَ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا يَكُونَانِ شَرِيكَيْنِ فِيهِمَا؛ كَمَا لَوْ اشْتَرَكَا فِي عَقْدِ الْبَيْعِ، فَتُبَاعَانِ وَيُقَسَّمُ الثَّمَنُ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ كَانَ فِيهِمَا رِبْحٌ دَفَعَ إلَى الْعَامِلِ حِصَّتَهُ، وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ. وَالثَّانِي (يَضْمَنُ) الْعَامِلُ (رَأْسَ مَالِ كُلٍّ) مِنْ الْمَالِكَيْنِ، (وَتَصِيرَانِ)- أَيْ الْأَمَتَانِ- (لَهُ)- أَيْ لِلْعَامِلِ- وَالرِّبْحُ لَهُ وَالْخُسْرَانُ عَلَيْهِ.
قَالَ فِي الْمُغْنِي وَالْأَوَّلُ- أَيْ مَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ- أَوْلَى؛ لِأَنَّ مِلْكَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَابِتٌ فِي أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ، فَلَا يَزُولُ الِاشْتِبَاهُ عَنْ جَمِيعِهِ وَلَا عَنْ بَعْضِهِ بِغَيْرِ رِضَاهُ؛ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُونَا فِي يَدِ الْمُضَارِبِ، وَلِأَنَّنَا لَوْ جَعَلْنَاهُمَا لِلْمُضَارِبِ أَدَّى إلَى أَنْ يَكُونَ تَفْرِيطُهُ سَبَبًا بِالرِّبْحِ وَحِرْمَانِ الْمُتَعَدَّى عَلَيْهِ، وَعَكْسُ ذَلِكَ أَوْلَى، وَإِنْ جَعَلَاهُمَا شَرِيكَيْنِ أَدَّى إلَى أَنْ يَأْخُذَ أَحَدُهُمَا رِبْحَ مَالِ الْآخَرِ بِغَيْرِ رِضَاهُ، وَلَيْسَ لَهُ فِيهِ مَالٌ وَلَا عَمَلٌ انْتَهَى.
فَائِدَةٌ:
إذَا اتَّفَقَ رَبُّ الْمَالِ وَالْمُضَارِبُ عَلَى أَنْ الرِّبْحَ بَيْنَهُمَا، وَالْوَضِيعَةَ عَلَيْهِمَا؛ كَانَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا وَالْوَضِيعَةُ عَلَى الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ مَتَى شَرَطَ عَلَى الْمُضَارِبِ ضَمَانَ الْمَالِ أَوْ سَهْمًا مِنْ الْوَضِيعَةِ؛ فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ، لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، وَالْعَقْدُ صَحِيحٌ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يُؤَثِّرُ فِي جَهَالَتِهِ الرِّبْحَ، فَلَمْ يَفْسُدْ بِهِ الْعَقْدُ؛ كَمَا لَوْ شَرَطَ لُزُومَ الْمُضَارَبَةِ.

.(فَصْلٌ): [هل تَصِحُّ الْمُضَارَبَةُ مُؤَقَّتَةً]:

(وَتَصِحُّ الْمُضَارَبَةُ مُؤَقَّتَةً) كَأَنْ يَقُولَ رَبُّ الْمَالِ: (ضَارِبْ بِكَذَا)- أَيْ بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ أَوْ الدَّنَانِيرِ- (سَنَةً أَوْ) شَهْرًا؛ لِأَنَّهَا تَصَرُّفٌ بِتَقْيِيدٍ بِنَوْعٍ مِنْ الْمَالِ، فَجَازَ تَقْيِيدُهُ بِالزَّمَانِ؛ كَالْوَكَالَةِ.
(وَ) إنْ قَالَ لِلْعَامِلِ: ضَارِبْ بِهَذَا الْمَالِ، (وَإِذَا مَضَى كَذَا)- أَيْ لِسَنَةٍ أَوْ شَهْرٍ- (فَلَا تَشْتَرِ شَيْئًا. أَوْ) ضَارِبْ بِهَذَا الْمَالِ كَذَا وَإِذَا مَضَى الْأَجَلُ (فَهُوَ)- أَيْ مَالُ الْمُضَارَبَةِ (قَرْضٌ، فَإِذَا مَضَى) الْأَجَلُ الْمُعَيَّنُ؛ لَمْ يَشْتَرِ فِي الْأُولَى، وَإِذَا مَضَى فِي الثَّانِيَةِ (وَهُوَ مَتَاعٌ؛ فَلَا بَأْسَ) بِهِ، وَعَلَى الْعَامِلِ تَنْضِيضُهُ، (فَإِذَا بَاعَهُ)، وَنَضَّهُ (كَانَ قَرْضًا) نَصًّا. نَقَلَهُ مُهَنَّا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لِرَبِّ الْمَالِ فِيهِ غَرَضٌ. وَتَصِحُّ الْمُضَارَبَةُ (مُعَلَّقَةً)؛ لِأَنَّهَا إذْنٌ فِي التَّصَرُّفِ، فَجَازَ تَعْلِيقُهُ عَلَى شَرْطٍ مُسْتَقْبَلٍ؛ كَالْوَكَالَةِ، كَقَوْلِ رَبِّ الْمَالِ لِلْعَامِلِ: (إذَا قَدِمَ زَيْدٌ فَضَارِبْ بِهَذَا) الْمَالِ، (أَوْ بِعْ هَذَا) الْعَرْضَ، (وَمَا حَصَلَ مِنْ ثَمَنِهِ فَقَدْ ضَارَبْتُكَ بِهِ) صَحَّ؛ لِمَا تَقَدَّمَ، (أَوْ) قَالَ لِلْعَامِلِ: (اقْبِضْ دَيْنِي مِنْك)، وَضَارِبْ بِهِ صَحَّ، لِصِحَّةِ قَبْضِ الْوَكِيلِ مِنْ نَفْسِهِ لِغَيْرِهِ بِإِذْنِهِ، (أَوْ قَالَ لَهُ: اقْتَضِ دَيْنِي مِنْ زَيْدٍ؛ وَضَارِبْ بِهِ) صَحَّ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ فِي قَبْضِ الدَّيْنِ، وَمَأْذُونٌ لَهُ فِي التَّصَرُّفِ؛ فَجَازَ جَعْلُهُ مُضَارَبَةً إذَا قَبَضَهُ؛ كَاقْبِضْ أَلْفًا مِنْ غُلَامِي وَضَارِبْ بِهِ. و(لَا) تَصِحُّ الْمُضَارَبَةُ إنْ قَالَ: (ضَارِبْ بِدَيْنِي) الَّذِي لِي (عَلَيْك؛ أَوْ) قَالَ: ضَارِبْ بِدَيْنِي الَّذِي لِي (عَلَى زَيْدٍ، فَاقْبِضْهُ)؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ فِي الذِّمَّةِ مِلْكٌ لِمَنْ هُوَ عَلَيْهِ، وَلَا يَمْلِكُهُ رَبُّهُ إلَّا بِقَبْضِهِ، وَلَمْ يُوجَدْ، (أَوْ) قَالَ رَبُّ الْمَالِ: (هُوَ)- أَيْ هَذَا الْمَالُ- (قَرْضٌ عَلَيْكَ شَهْرًا) أَوْ نَحْوَهُ، (ثُمَّ هُوَ مُضَارَبَةٌ)؛ لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إذَا صَارَ قَرْضًا مَلَكَهُ الْمُقْتَرِضُ، فَلَمْ يَصِحَّ عَقْدُ الْمُضَارَبَةِ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي ذِمَّتِهِ؛ لِعَدَمِ مِلْكِ رَبِّ الدَّيْنِ لَهُ إذَنْ. (أَوْ) قَالَ لِلْعَامِلِ: (اعْزِلْ مَالِي)- أَيْ دَيْنِي- (عَلَيْكَ، وَقَدْ قَارَضْتُكَ بِهِ)، فَفَعَلَ، وَاشْتَرَى بِعَيْنِهِ شَيْئًا لِلْمُضَارَبَةِ؛ لَمْ يَصِرْ لَهَا، (وَمَا اشْتَرَاهُ) فَهُوَ (لَهُ)- أَيْ الْمُشْتَرِي- لِأَنَّهُ اشْتَرَى لِغَيْرِهِ بِمَالِ نَفْسِهِ، فَحَصَلَ الشِّرَاءُ لَهُ، وَرِبْحُهُ لَهُ وَخُسْرَانُهُ (عَلَيْهِ)، وَإِنْ اشْتَرَى فِي ذِمَّتِهِ فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ الْقِرَاضِ عَلَى مَا لَا يَمْلِكُهُ (وَصَحَّ) قَوْلُ رَبِّ الْوَدِيعَةِ: (ضَارِبْ بِوَدِيعَةٍ) لِي عِنْدَك أَوْ عِنْدَ زَيْدٍ مَعَ عِلْمِهِمَا قَدْرَهَا؛ لِأَنَّهَا مِلْكُ رَبِّ الْمَالِ، فَجَازَ أَنْ يُضَارِبَهُ عَلَيْهَا؛ كَمَا لَوْ كَانَتْ حَاضِرَةً فِي زَاوِيَةِ الْبَيْتِ، فَإِنْ كَانَتْ تَلِفَتْ عِنْدَهُ عَلَى وَجْهٍ يَضْمَنُهَا؛ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُضَارِبَهُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ دَيْنًا. (أَوْ) قَالَ مَغْصُوبٌ مِنْهُ: ضَارِبْ (بِغَصْبٍ لِي عِنْدَ زَيْدٍ أَوْ عِنْدَك) مَعَ عِلْمِهِمَا، قَدْرَهُ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ يَصِحُّ بَيْعُهُ مِنْ غَاصِبِهِ وَقَادِرٌ عَلَى أَخْذِهِ مِنْهُ، فَأَشْبَهَ الْوَدِيعَةَ، وَكَذَا بِعَارِيَّةٍ، (وَيَزُولُ الضَّمَانُ) عَنْ الْغَاصِبِ وَالْمُسْتَعِيرِ (بِمُجَرَّدِ عَقْدِ) الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُمْسِكًا لَهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ، لَا يَخْتَصُّ بِنَفْعِهِ، وَلَمْ يَتَعَدَّ فِيهِ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ قَبَضَهُ مَالِكُهُ، ثُمَّ أَقْبَضَهُ لَهُ، فَإِنْ تَلِفَ فَكَمَا تَقَدَّمَ. (وَمَنْ عَمِلَ مَعَ مَالِكِ نَقْدٍ أَوْ) مَالِكِ (شَجَرٍ أَوْ) مَالِكِ (أَرْضٍ وَحَبٍّ) فِي تَنْمِيَةِ ذَلِكَ؛ بِأَنْ عَاقَدَهُ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ مَعَهُ فِيهِ، (وَالرِّبْحُ) فِي الْمُضَارَبَةِ، أَوْ الثَّمَرُ فِي الْمُسَاقَاةِ، أَوْ الزَّرْعُ فِي الْمُزَارَعَةِ (بَيْنَهُمَا) أَنْصَافًا أَوْ أَثْلَاثًا أَوْ نَحْوَهُ؛ (صَحَّ) ذَلِكَ، وَكَانَ (مُضَارَبَةً) فِي مَسْأَلَةِ النَّقْدِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ لِأَنَّ الْعَمَلَ أَحَدُ رُكْنَيْ الْمُضَارَبَةِ، فَجَازَ أَنْ يَنْفَرِدَ بِهِ أَحَدُهُمَا مَعَ وُجُودِ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الْآخَرِ، (وَ) كَانَ فِي مَسْأَلَةِ الشَّجَرِ (مُسَاقَاةً، وَ) فِي مَسْأَلَةِ الْأَرْضِ وَالْحَبِّ (مُزَارَعَةً) قِيَاسًا عَلَى الْمُضَارَبَةِ. (وَإِنْ شَرَطَ) الْعَامِلُ (فِيهِنَّ)- أَيْ الْمُضَارَبَةِ وَالْمُسَاقَاةِ وَالْمُزَارَعَةِ- (عَمَلَ مَالِكٍ، أَوْ) شَرَطَ عَمَلَ (غُلَامِهِ)- أَيْ رَقِيقِهِ- (مَعَهُ)- أَيْ الْعَامِلِ- بِأَنْ شَرَطَ أَنْ يُعِينَهُ فِي الْعَمَلِ؛ (صَحَّ كَ) شَرْطِهِ عَلَيْهِ عَمَلَ (بَهِيمَةٍ)؛ بِأَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا وَنَحْوَهُ. (وَلَا يَضُرُّ عَمَلُ مَالِكٍ بِلَا شَرْطٍ). نَصَّ عَلَيْهِ.
تَتِمَّةٌ:
نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ فِيمَنْ أَعْطَى رَجُلًا مُضَارَبَةً عَلَى أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْمَوْصِلِ، فَيُوَجِّهَ إلَيْهِ بِطَعَامٍ فَيَبِيعَهُ، ثُمَّ يَشْتَرِيَ بِهِ، وَيُوَجِّهَ إلَيْهِ إلَى الْمَوْصِلِ. قَالَ: لَا بَأْسَ إذَا كَانُوا تَرَاضَوْا عَلَى الرِّبْحِ.
فَائِدَةٌ:
لَوْ لَمْ يَعْمَلْ الْمُضَارِبُ شَيْئًا إلَّا أَنَّهُ صَرَفَ الذَّهَبَ بِالْوَرِقِ، فَارْتَفَعَ الصَّرْفُ؛ اسْتَحَقَّ لَمَّا صَرَفَهَا. نَقَلَهُ حَنْبَلٌ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ قَالَ فِي الْإِنْصَافِ قُلْتُ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ.

.(فَصْلٌ): [وَلَيْسَ لِعَامِلٍ شِرَاءُ مَنْ يَعْتِقُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ بِغَيْرِ إذْنِهِ]:

(وَلَيْسَ لِعَامِلٍ شِرَاءُ مَنْ يَعْتِقُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ) بِغَيْرِ إذْنِهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا، وَلَا حَظَّ لِلتِّجَارَةِ فِيهِ؛ إذْ هِيَ مَعْقُودَةٌ لِلرِّبْحِ حَقِيقَةً أَوْ مَظِنَّةً، وَهُمَا مُنْتَفِيَانِ هُنَا، سَوَاءٌ كَانَ يَعْتِقُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ (بِرَحِمٍ) كَابْنِهِ وَنَحْوِهِ، (أَقُولُ) كَتَعْلِيقِ رَبِّ الْمَالِ عِتْقَهُ عَلَى شِرَائِهِ، أَوْ إقْرَارِهِ بِحُرِّيَّتِهِ، (فَإِنْ فَعَلَ)؛ أَيْ: اشْتَرَى مَنْ يَعْتِقُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ؛ (صَحَّ) الشِّرَاءُ؛ لِأَنَّهُ مُتَقَوِّمٌ قَابِلٌ لِلْعُقُودِ، فَصَحَّ شِرَاؤُهُ كَغَيْرِهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ (وَعَتَقَ) عَلَى رَبِّ الْمَالِ؛ لِتَعَلُّقِ حُقُوقِ الْعَقْدِ بِهِ، (وَضَمِنَ) الْعَامِلُ (ثَمَنَهُ) الَّذِي اشْتَرَاهُ؛ لِمُخَالَفَتِهِ، (وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ) أَنَّهُ يَعْتِقُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ إتْلَافٌ، فَإِنْ كَانَ بِإِذْنِ رَبِّ الْمَالِ انْفَسَخَتْ فِي قَدْرِ ثَمَنِهِ لِتَلَفِهِ، فَإِنْ كَانَ ثَمَنُهُ كُلَّ الْمَالِ انْفَسَخَتْ كُلُّهَا، وَإِنْ كَانَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ أَخَذَ حِصَّتَهُ مِنْهُ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. (وَيَتَّجِهُ وَكَذَا)- أَيْ كَالْعَامِلِ- (وَكِيلٌ) اشْتَرَى مَنْ يَعْتِقُ عَلَى مُوَكِّلِهِ؛ فَيَصِحُّ شِرَاؤُهُ لَهُ، وَيَعْتِقُ بِمُجَرَّدِهِ، وَيَضْمَنُ ثَمَنَهُ لِمُوَكِّلِهِ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَهُ عَلَيْهِ؛ لِشِرَائِهِ لَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ. وَيَتَّجِهُ (وَشَرِيكٌ) كَذَلِكَ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ مَبْنَى التِّجَارَةِ عَلَى مَظِنَّةِ الرِّبْحِ، وَهُوَ مُنْتَفٍ هُنَا. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ اشْتَرَى) عَامِلٌ- (وَلَوْ بَعْضَ زَوْجٍ؛ أَوْ) بَعْضَ- (زَوْجَةٍ- لِمَنْ لَهُ فِي الْمَالِ مِلْكٌ)- وَلَوْ جُزْءًا يَسِيرًا- (صَحَّ) الشِّرَاءُ؛ لِوُقُوعِهِ عَلَى مَا يُمْكِنُ طَلَبُ الرِّبْحِ فِيهِ كَالْأَجْنَبِيِّ، (وَانْفَسَخَ نِكَاحُهُ)- أَيْ الْمُشْتَرِي- كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يُجَامِعُ الْمِلْكَ، (وَضَمِنَ) عَامِلٌ (نِصْفَ مَهْرِ) الزَّوْجَةِ الْمُشْتَرَاةِ (قَبْلَ دُخُولِ) رَبِّ الْمَالِ بِهَا؛ لِوُجُوبِهِ عَلَى الزَّوْجِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ، فَلَمَّا اشْتَرَاهَا الْعَامِلُ؛ ضَمِنَ مَا دَفَعَهُ الزَّوْجُ مِنْ نِصْفِ الصَّدَاقِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُ تَقْرِيرِهِ عَلَيْهِ؛ كَمَا لَوْ أَفْسَدَتْ امْرَأَةٌ نِكَاحَهُ بِالرَّضَاعِ. ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ الْمُنْتَهَى. (وَلَا) يَضْمَنُ الْعَامِلُ مَهْرَ زَوْجَةٍ انْفَسَخَ نِكَاحُهَا بِشِرَاءِ عَامِلٍ لَهَا (بَعْدَهُ)- أَيْ الدُّخُولِ- (لِاسْتِقْرَارِهِ)- أَيْ الْمَهْرِ- عَلَى رَبِّ الْمَالِ بِدُخُولِهِ، فَقَدْ فَوَّتَهُ عَلَى نَفْسِهِ، فَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْعَامِلِ بِشَيْءٍ، (وَلَا) يَضْمَنُ عَامِلٌ مَا يَفُوتُ مِنْ الْمَهْرِ (إنْ اشْتَرَى زَوْجَ رَبَّةِ الْمَالِ)، وَلَا يَضْمَنُ مَا يَفُوتُهَا مِنْ النَّفَقَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَعُودُ إلَى الْمُضَارَبَةِ (مُطْلَقًا)؛ أَيْ: سَوَاءٌ كَانَ الشِّرَاءُ بِعَيْنِ الْمَالِ أَوْ فِي ذِمَّتِهِ. (وَإِنْ اشْتَرَى الْعَامِلُ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ) كَأَبِيهِ وَأَخِيهِ، (وَظَهَرَ رِبْحٌ) فِي الْمُضَارَبَةِ بِحَيْثُ يَخْرُجُ ثَمَنُ الْأَبِ أَوْ الْأَخِ مِنْ حِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ، سَوَاءٌ كَانَ الرِّبْحُ ظَاهِرًا حِينَ الشِّرَاءِ أَوْ بَعْدَهُ، وَمَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ بَاقٍ لَمْ يَتَصَرَّفْ فِيهِ؛ (عَتَقَ) عَلَيْهِ كُلُّهُ؛ (كَمُشْتَرَكٍ) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ؛ لِمِلْكِهِ حِصَّتَهُ مِنْ الرِّبْحِ بِالظُّهُورِ، وَكَذَا إنْ لَمْ يَخْرُجْ كُلُّ ثَمَنِهِ مِنْ الرِّبْحِ، لَكِنَّهُ مُوسِرٌ بِقِيمَةٍ بَاقِيَةٍ، لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِفِعْلِهِ، فَعَتَقَ عَلَيْهِ؛ كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ بِمَالِهِ. وَإِنْ كَانَ [مُعْسِرًا عَتَقَ عَلَيْهِ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ، (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَظْهَرْ فِي الْمَالِ رِبْحٌ حَتَّى بَاعَ] مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ، (فَلَا) يَعْتِقُ مِنْهُ شَيْءٌ. هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ؛ وَإِنَّمَا هُوَ مِلْكُ رَبِّ الْمَالِ. (وَيَتَّجِهُ وَلَهُ)- أَيْ الْعَامِلِ- (بَيْعُهُ إذَنْ)؛ أَيْ: حِينَ شِرَائِهِ قَبْلَ ظُهُورِ الرِّبْحِ.
(وَ) يَتَّجِهُ أَنَّهُ (لَا يُوقَفُ) الرَّقِيقُ (لِاحْتِمَالِ رِبْحٍ؛ لِيَعْتِقَ)؛ لِأَنَّ فِي تَأْخِيرِ بَيْعِهِ ضَرَرًا عَلَى الْمَالِكِ وَالْمَقْصُودُ بِالتِّجَارَةِ عَدَمُهُ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَلَهُ)- أَيْ لِلْعَامِلِ- (التَّسَرِّي مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ بِإِذْنِ) رَبِّ الْمَالِ، (فَإِذَا اشْتَرَى) الْمُضَارِبُ لِنَفْسِهِ (أَمَةً) مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ لِيَتَسَرَّى بِهَا بِإِذْنِ رَبِّهِ (مَلَكَهَا)؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ قَدْ أَذِنَ لَهُ فِي التَّسَرِّي، وَالْإِذْنُ فِيهِ يَسْتَدْعِي الْإِذْنَ فِي الْوَطْءِ؛ (لِأَنَّ إبَاحَةَ الْبُضْعِ لَا تَحْصُلُ) لِلْعَامِلِ (بِلَا مِلْكٍ أَوْ عَقْدٍ)، وَرَبُّ الْمَالِ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى تَبَرُّعِهِ بِالثَّمَنِ، فَوَجَبَ أَنْ يَمْلِكَهَا بِالْإِذْنِ، (وَيَصِيرُ ثَمَنُهَا قَرْضًا بِذِمَّتِهِ)؛ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ يَعْقُوبَ بْنِ بُخْتَانَ وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَطَعُوا بِهِ. وَلَيْسَ لِلْعَامِلِ أَنْ يَتَسَرَّى بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّ الْمَالِ، (فَإِنْ) خَالَفَ [و] (وَطِئَ أَمَةً مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ عُزِّرَ) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، و(مَعَ) ذَلِكَ يَلْزَمُهُ (الْمَهْرُ، وَلَا حَدَّ) عَلَيْهِ؛ لِلشُّبْهَةِ- (وَلَوْ لَمْ يَظْهَرْ رِبْحٌ- لَكِنْ) إنْ حَمَلَتْ مِنْهُ لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ، و(وَلَدُهُ رَقِيقٌ) مَمْلُوكٌ لِرَبِّ الْمَالِ، وَلَا يَلْحَقُهُ نَسَبُهُ، وَلَوْ عَتَقَ، ثُمَّ مَاتَ لَا يَرِثُهُ الْوَاطِئُ؛ (وَيَتَّجِهُ) لَا حَدَّ عَلَيْهِ (مَا لَمْ يَتَيَقَّنْ عَدَمَ ظُهُورِهِ)- أَيْ: الرِّبْحِ- فَيُحَدُّ لِوَطْئِهِ مَا لَيْسَ لَهُ فِيهَا مِلْكٌ وَلَا شُبْهَةُ مِلْكٍ؛ وَذَلِكَ (كَأَمَةٍ اشْتَرَاهَا) مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ (بِمِائَةٍ) وَهِيَ (تُسَاوِي) نَحْوَ (خَمْسِينَ، فَيُحَدُّ)؛ لِأَنَّهُ مُتَيَقِّنٌ عَدَمَ الرِّبْحِ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ الزَّانِي الْعَالِمِ بِالتَّحْرِيمِ، وَإِنْ تَيَقَّنَ عَدَمَ الرِّبْحِ، وَجَهِلَ التَّحْرِيمَ، وَعَلِقَتْ مِنْهُ بِوَلَدٍ؛ فَوَلَدُهُ حُرٌّ، وَعَلَيْهِ فِدَاؤُهُ لِرَبِّ الْمَالِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمُرْتَهِنِ إذَا وَطِئَ الْأَمَةَ الْمَرْهُونَةَ جَاهِلًا تَحْرِيمَ الْوَطْءِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. لَكِنَّ الْمَذْهَبَ مَا تَقَدَّمَ. (فَإِنْ ظَهَرَ رِبْحٌ)؛ بِأَنْ اشْتَرَى مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ أَمَةً بِخَمْسِينَ تُسَاوِي نَحْوَ مِائَةٍ، وَوَطِئَهَا بِدُونِ إذْنٍ، وَعَلِقَتْ مِنْهُ؛ (فـَ) وَلَدُهُ (حُرٌّ، وَتَصِيرُ) الْأَمَةُ (أُمَّ وَلَدِهِ، وَ) يَجِبُ (عَلَيْهِ قِيمَتُهَا) يَوْمَ إحْبَالِهَا كَالْأَمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ إذَا أَحْبَلَهَا أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ، وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ نَصًّا لِلشُّبْهَةِ، وَيَسْقُطُ عَنْ الْعَامِلِ مِنْ الْمَهْرِ وَالْقِيمَةِ قَدْرُ حَقِّهِ فَقَطْ، وَيَغْرَمُ تَتِمَّةَ الْمَهْرِ وَالْقِيمَةِ لِلْمَالِكِ لِأَنَّهُ فَوَّتَهَا عَلَيْهِ. (وَيُعَزَّرُ رَبُّ الْمَالِ) إنْ وَطِئَ أَمَةً مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ لِإِقْدَامِهِ عَلَى فِعْلِ الْمَعْصِيَةِ، وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا مِلْكُهُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرُهُمْ، فَإِنْ وَلَدَتْ مِنْهُ خَرَجَتْ مِنْ الْمُضَارَبَةِ، وَحُسِبَتْ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا، وَيُضَافُ إلَيْهَا بَقِيَّةُ الْمَالِ، (وَوَلَدُهُ حُرٌّ مُطْلَقًا)، سَوَاءٌ ظَهَرَ رِبْحٌ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ يُنْقِصُهَا إنْ كَانَتْ بِكْرًا، أَوْ يُعَرِّضُهَا لِلتَّلَفِ وَالْخُرُوجِ مِنْ الْمُضَارَبَةِ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ رِبْحٌ؛ فَلِلْعَامِلِ حِصَّتُهُ مِنْهُ. (وَلَيْسَ لِعَامِلٍ الشِّرَاءُ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ)؛ كَأَنْ يَكُونَ فِيهَا عَبْدٌ أَوْ ثَوْبٌ؛ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَشْتَرِيَهُ مِنْ رَبِّ الْمَالِ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى (إنْ ظَهَرَ) فِي الْمُضَارَبَةِ (رِبْحٌ)؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ شَرِيكًا فِيهِ، فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ رِبْحٌ؛ صَحَّ شِرَاؤُهُ مِنْ رَبِّ الْمَالِ أَوْ بِإِذْنِهِ كَالْوَكِيلِ يَشْتَرِي مِنْ مُوَكِّلِهِ. (وَلَا يَصِحُّ لِرَبِّ الْمَالِ الشِّرَاءُ مِنْهُ)- أَيْ: مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ- (لِنَفْسِهِ) نَصًّا؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ كَشِرَائِهِ مِنْ وَكِيلِهِ وَعَبْدِهِ الْمَأْذُونِ (مُطْلَقًا)؛ أَيْ: سَوَاءٌ ظَهَرَ رِبْحٌ أَوْ لَا. (وَإِنْ اشْتَرَى شَرِيكٌ) فِي مَالٍ (نَصِيبَ شَرِيكِهِ؛ صَحَّ)؛ لِأَنَّهُ مِلْكُ غَيْرِهِ، فَصَحَّ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ مِلْكَ غَيْرِهِ. (وَإِنْ اشْتَرَى) أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ (الْجَمِيعَ)- أَيْ: حِصَّتَهُ وَحِصَّةَ شَرِيكِهِ- (صَحَّ) الشِّرَاءُ (فِي غَيْرِ نَصِيبِهِ)- أَيْ: الْمُشْتَرِي- وَهُوَ نَصِيبُ شَرِيكِهِ الَّذِي بَاعَهُ بِنَاءً عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ، وَلَمْ يَصِحَّ الشِّرَاءُ فِي نَصِيبِهِ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ. (وَحَرُمَ) عَلَى عَامِلٍ (أَنْ يُضَارِبَ)؛ أَيْ: يَأْخُذَ مُضَارَبَةً (لِآخَرَ إنْ ضَرَّ) اشْتِغَالُهُ بِالْعَمَلِ فِي مَالِ الثَّانِي رَبَّ الْمَالِ (الْأَوَّلَ) بِلَا إذْنِهِ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُهُ مَقْصُودَ الْمُضَارَبَةِ مِنْ طَلَبِ النَّمَاءِ وَالْحَظِّ؛ كَكَوْنِ الْمَالِ كَثِيرًا، فَيَسْتَوْعِبُ زَمَانَهُ، فَإِنْ كَانَ مَالُ الثَّانِي يَسِيرًا لَا يَشْغَلُهُ عَنْ الْعَمَلِ فِي مَالِ الْأَوَّلِ جَازَ، (فَإِنْ فَعَلَ)؛ أَيْ: ضَارَبَ لِآخَرَ مَعَ تَضَرُّرِ الْأَوَّلِ حَرُمَ عَلَيْهِ، (وَرَدَّ مَا خَصَّهُ مِنْ الرِّبْحِ) الْحَاصِلِ فِي الْمَالِ الثَّانِي (فِي شَرِكَةِ الْأَوَّلِ). نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ ذَلِكَ بِالْمَنْفَعَةِ الَّتِي اُسْتُحِقَّتْ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ، فَيُنْظَرُ مَا رَبِحَ فِي الْمُضَارَبَةِ الثَّانِيَةِ، فَيَدْفَعُ إلَى رَبِّ مَالِهَا مِنْهُ نَصِيبَهُ؛ لِأَنَّ الْعُدْوَانَ مِنْ الْمُضَارِبِ لَا يُسْقِطُ حَقَّ رَبِّ الْمَالِ الثَّانِي، وَيَأْخُذُ الْمُضَارِبُ نَصِيبَهُ مِنْ الرِّبْحِ، فَيَضُمُّهُ إلَى رِبْحِ الْمُضَارَبَةِ الْأُولَى فَيَقْتَسِمَانِهِ، وَالْوَكِيلُ يُجْعَلُ كَالْمُضَارِبِ. (وَلَا نَفَقَةَ لِعَامِلٍ) مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ وَلَوْ مَعَ السَّفَرِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ عَلَى الْعَمَلِ بِجُزْءٍ فَلَا يَسْتَحِقُّ غَيْرَهُ، وَلَوْ اسْتَحَقَّهُ لَأَفْضَى إلَى اخْتِصَاصِهِ بِالرِّبْحِ إذَا لَمْ يَرْبَحْ غَيْرَهَا (إلَّا بِشَرْطٍ) كَوَكِيلٍ. هَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَيَصِحُّ شَرْطُهَا سَفَرًا وَحَضَرًا؛ لِأَنَّهَا فِي مُقَابَلَةِ عَمَلِهِ، (فَإِنْ شُرِطَتْ) نَفَقَةُ الْعَامِلِ مُقَدَّرَةً فَحَسَنٌ؛ قَطْعًا لِلْمُنَازَعَةِ، وَإِنْ شُرِطَتْ (مُطْلَقَةً، وَاخْتَلَفَا)؛ أَيْ: تَشَاحَّا فِي قَدْرِ النَّفَقَةِ؛ (فَلَهُ نَفَقَةُ مِثْلِهِ عُرْفًا مِنْ طَعَامٍ وَكِسْوَةٍ) كَالزَّوْجَةِ وَسَائِرِ مَنْ تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ النَّفَقَةِ يَقْتَضِي جَمِيعَ مَا هُوَ مِنْ ضَرُورَاتِهِ الْمُعْتَادَةِ، فَكَانَ لَهُ النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ، وَهِيَ إبَاحَةٌ فَلَا تُنَافِي مَا تَقَدَّمَ أَنَّ شَرْطَ دَرَاهِمَ مَعْلُومَةٍ يُبْطِلُهَا. وَتَرَدَّدَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ، هَلْ النَّفَقَةُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ أَوْ الرِّبْحِ؟ قَالَ الْبُهُوتِيُّ: بَلْ الظَّنُّ أَنَّهَا مِنْ الرِّبْحِ. (وَلَوْ لَقِيَهُ)؛ أَيْ: لَقِيَ رَبُّ الْمَالِ الْعَامِلَ (بِبَلَدٍ) كَانَ قَدْ (أَذِنَ) لَهُ (فِي سَفَرِهِ إلَيْهِ)- أَيْ: بِالْمَالِ- (وَقَدْ نَضَّ الْمَالُ) بِأَنْ صَارَ الْمَتَاعُ نَقْدًا، (فَأَخَذَهُ) رَبُّهُ مِنْهُ (فَلَا نَفَقَةَ) لِلْعَامِلِ؛ (لِرُجُوعِهِ) إلَى الْبَلَدِ الَّذِي سَافَرَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ مَا دَامَا فِي الْقِرَاضِ- وَقَدْ زَالَ الْقِرَاضُ- فَزَالَتْ النَّفَقَةُ، وَلِذَلِكَ لَوْ مَاتَ لَمْ يَجِبْ تَكْفِينُهُ وَلَوْ اشْتَرَطَ النَّفَقَةَ لِانْقِطَاعِ الْقِرَاضِ بِمَوْتِهِ، فَانْقَطَعَتْ النَّفَقَةُ. (وَإِنْ تَعَدَّدَ رَبُّ الْمَالِ)؛ بِأَنْ كَانَ عَامِلًا لِاثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ، أَوْ عَامِلًا لِوَاحِدٍ، وَمَعَهُ مَالٌ لِنَفْسِهِ أَوْ بِضَاعَةٌ لِآخَرَ، وَاشْتَرَطَ لِنَفْسِهِ نَفَقَةَ السَّفَرِ؛ (فَهِيَ)- أَيْ: النَّفَقَةُ- (عَلَى) قَدْرِ (مَالِ كُلٍّ) مِنْهُمَا، أَوْ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ وَجَبَتْ لِأَجْلِ عَمَلِهِ فِي الْمَالِ، فَكَانَتْ عَلَى قَدْرِ مَالِ كُلٍّ فِيهِ، (إلَّا أَنْ يَشْرِطَهَا بَعْضٌ) مِنْ أَرْبَابِ الْمَالِ (مِنْ مَالِهِ عَالِمًا بِالْحَالِ)، وَهُوَ كَوْنُ الْعَامِلِ يَعْمَلُ فِي مَالٍ آخَرَ مَعَ مَالِهِ؛ فَيَخْتَصُّ بِمَالِهِ؛ لِدُخُولِهِ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْحَالِ؛ فَعَلَيْهِ بِالْحِصَّةِ، (وَحَيْثُ شُرِطَتْ) النَّفَقَةُ لِلْعَامِلِ، (فَادَّعَى أَنَّهُ أَنْفَقَ مِنْ مَالِهِ) الْمُخْتَصِّ بِهِ بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ؛ (قُبِلَ) قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ، (وَرَجَعَ بِهِ)- أَيْ: بِمَا أَنْفَقَهُ- (وَلَوْ) كَانَ ذَلِكَ (بَعْدَ رُجُوعِ الْمَالِ)- أَيْ: مَالِ الْمُضَارَبَةِ- (لِرَبِّهِ) وَاحِدًا كَانَ أَوْ مُتَعَدِّدًا. (وَلَا رِبْحَ لِعَامِلٍ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ رَأْسَ الْمَالِ).
قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ هُوَ الْفَاضِلُ عَنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَمَا لَمْ يَفْضُلْ فَلَيْسَ بِرِبْحٍ، (فَإِنْ رَبِحَ فِي إحْدَى سِلْعَتَيْنِ) وَخَسِرَ فِي الْأُخْرَى؛ (أَوْ) رَبِحَ فِي إحْدَى (سَفْرَتَيْنِ، وَخَسِرَ فِي الْأُخْرَى، أَوْ تَعَيَّبَتْ) سِلْعَةٌ، وَزَادَتْ أُخْرَى، (أَوْ نَزَلَ السِّعْرُ، أَوْ تَلِفَ) بَعْضُ الْمَالِ (بَعْدَ عَمَلِ) عَامِلٍ فِي الْمُضَارَبَةِ؛ (فَالْوَضِيعَةُ) فِي بَعْضِ الْمَالِ تُجْبَرُ (مِنْ رِبْحِ بَاقِيهِ)- أَيْ: الْمَالِ- (إنْ كَانَتْ) الْوَضِيعَةُ (قَبْلَ قَسْمِهِ)- أَيْ: الرِّبْحِ- (نَضًّا)- أَيْ: نَقْدًا- (وَلَوْ) كَانَ تنضيض الْمَالِ (بِمُحَاسَبَةٍ) جَرَتْ بَيْنَهُمَا (أُجْرِيَ لَهَا)- أَيْ: الْمُحَاسَبَةِ- (مُجْرَى الْقِسْمَةِ) نَصًّا. (قِيلَ) لِلْإِمَامِ (أَحْمَدَ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (فَيَحْتَسِبَانِ)؟- أَيْ: رَبُّ الْمَالِ وَالْعَامِلُ- (عَلَى الْمَتَاعِ) قَبْلَ تَنْضِيضِهِ (فَقَالَ: لَا يَحْتَسِبَانِ إلَّا عَلَى النَّاضِّ؛ لِأَنَّ الْمَتَاعَ قَدْ يَنْحَطُّ سِعْرُهُ وَ) قَدْ (يَرْتَفِعُ)، فَإِنْ تَقَاسَمَا الرِّبْحَ وَالْمَالُ نَاضٌّ، أَوْ تَحَاسَبَا بَعْدَ تَنْضِيضِ الْمَالِ، وَأَبْقَيَا الْمُضَارَبَةَ؛ فَهِيَ مُضَارَبَةٌ ثَانِيَةٌ، فَمَا رَبِحَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَجْبُرُ بِهِ وَضِيعَةَ الْأَوَّلِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ إجْرَاءِ الْمُحَاسَبَةِ مَجْرَى الْقِسْمَةِ، وَالتَّنْضِيضُ: أَنْ يَصِيرَ الْمَالُ كَمَا أَخَذَهُ الْعَامِلُ، فَإِنْ كَانَ أَخَذَهُ فِضَّةً يَصِيرُ كَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ ذَهَبًا يَصِيرُ كَذَلِكَ. (وَيَمْلِكُ عَامِلٌ حِصَّةً مِنْ رِبْحٍ) بِمُجَرَّدِ ظُهُورٍ (قَبْلَ قِسْمَةٍ؛ كَمَالِكِ) الْمَالِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. [قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَمْلِكُهُ بِالظُّهُورِ قَوْلًا وَاحِدًا.
قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ]: و(لَا) يَمْلِكُ الْمُضَارِبُ (الْأَخْذَ مِنْهُ)- أَيْ: الرِّبْحِ- (إلَّا بِإِذْنِ) رَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّ نَصِيبَهُ مُشَاعٌ، فَلَا يُقَاسِمُ نَفْسَهُ، وَلِأَنَّ مِلْكَهُ لَهُ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ، وَإِنْ شَرَطَا أَنْ لَا يَمْلِكَهُ إلَّا بِالْقِسْمَةِ لَمْ يَصِحَّ الشَّرْطُ؛ لِمُنَافَاتِهِ مُقْتَضَى الْعَقْدِ. (وَتَحْرُمُ قِسْمَةُ رِبْحٍ) دُونَ رَأْسِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ لَا وِقَايَةَ لَهُ، (وَالْعَقْدُ)- أَيْ: عَقْدُ الْمُضَارَبَةِ- (بَاقٍ)؛ فَلَا يُجْبَرُ، مُمْتَنِعٌ عَنْهَا عَلَيْهَا (إلَّا بِاتِّفَاقِهِمَا)؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ لَا يَأْمَنُ الْخُسْرَانَ، فَيُجْبِرُهُ بِالرِّبْحِ، وَلِأَنَّ الْعَامِلَ لَا يَأْمَنُ أَنْ يُلْزِمَهُ رَدَّ مَا أَخَذَهُ فِي وَقْتٍ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، فَلَا يُجْبَرُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَقَدْ سُئِلَ عَنْ الْمُضَارِبِ يَرْبَحُ، وَيَضَعُ مِرَارًا، يَرُدُّ الْوَضِيعَةَ عَلَى الرِّبْحِ إلَّا أَنْ يَقْبِضَ رَأْسَ الْمَالِ صَاحِبُهُ، ثُمَّ يَرُدُّهُ إلَيْهِ فَيَقُولُ: اعْمَلْ بِهِ ثَانِيَةً؛ فَمَا رَبِحَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَجْبُرَ بِهِ وَضِيعَةَ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ مُضَارَبَةٌ ثَانِيَةٌ. قَالَ: فَهَذَا لَيْسَ فِي نَفْسِي مِنْهُ شَيْءٌ، (فَإِنْ اتَّفَقَا)- أَيْ: الْمُتَقَارِضَانِ- عَلَى قَسْمِ الرِّبْحِ أَوْ قَسْمِ بَعْضِهِ، أَوْ اتَّفَقَا عَلَى أَنْ يَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كُلَّ يَوْمٍ قَدْرًا مَعْلُومًا، فَاقْتَسَمَا الرِّبْحَ أَوْ أَخَذَ أَحَدُهُمَا مِنْهُ شَيْئًا بِإِذْنِ صَاحِبِهِ وَالْمُضَارَبَةُ بِحَالِهَا، (فَظَهَرَ) فِي الْمَالِ (خُسْرَانٌ)؛ كَانَ عَلَى الْعَامِلِ رَدُّ مَا أَخَذَهُ مِنْ الرِّبْحِ؛ لِأَنَّا تَبَيَّنَّا أَنَّهُ لَيْسَ بِرِبْحٍ، فَلَوْ كَانَ الْمَالُ مِائَةً وَرَبِحَ عِشْرِينَ، وَاقْتَسَمَاهَا، ثُمَّ خَسِرَ ثَلَاثِينَ؛ فَعَلَى الْعَامِلِ رَدُّ مَا أَخَذَهُ- وَهُوَ الْعَشَرَةُ فِي الْمِثَالِ- لِأَنَّهَا أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ، وَبَقِيَ رَأْسُ الْمَالِ ثَمَانِينَ (أَوْ تَلِفَ الْمَالُ)- أَيْ: مَالُ الْمُضَارَبَةِ- (كُلُّهُ) مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ وَلَا تَفْرِيطٍ؛ (لَزِمَ الْعَامِلَ رَدُّ أَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ مِمَّا أَخَذَهُ)- وَهُوَ الْعَشَرَةُ- فِي الْمِثَالِ، (أَوْ الْخُسْرَانُ) وَهُوَ الثَّلَاثُونَ، وَلَا سَبِيلَ إلَى رَدِّ الثَّلَاثِينَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْهَا فَيَرُدُّ الْعَشَرَةَ الْمَأْخُوذَةَ فَقَطْ. (وَلَا يَخْلِطُ) عَامِلٌ (رَأْسَ مَالٍ قَبَضَهُ مِنْ) مَالِكٍ (وَاحِدٍ فِي وَقْتَيْنِ بِلَا إذْنٍ) نَصًّا؛ (لِأَنَّهُمَا)- أَيْ: الْمَالَيْنِ- (عَقْدَانِ، فَلَا يُجْبَرُ) خُسْرَانُ (أَحَدِهِمَا مِنْ) رِبْحِ الْمَالِ الْآخَرِ؛ كَمَا لَوْ نَهَاهُ عَنْ خَلْطِهِمَا. (وَإِنْ أَذِنَ) رَبُّ الْمَالِ لَهُ- أَيْ: الْمُضَارِبِ فِي الْخَلْطِ- (قَبْلَ تَصَرُّفِهِ)- أَيْ الْمُضَارِبِ- (فِي) الْمَالِ (الْأَوَّلِ) جَازَ، (أَوْ) أَذِنَهُ فِي الْخَلْطِ (بَعْدَهُ) أَيْ: التَّصَرُّفِ فِي الْأَوَّلِ- (وَقَدْ نَضَّ) الْمَالُ الْأَوَّلُ؛ (جَازَ وَصَارَا) أَيْ: الْأَوَّلُ وَالثَّانِي- (عَقْدًا) وَاحِدًا؛ كَمَا لَوْ دَفَعَهُ إلَيْهِ دَفْعَةً وَاحِدَةً، فَإِنْ كَانَ إذْنُهُ فِي الْخَلْطُ بَعْدَ تَصَرُّفِهِ فِي الْأَوَّلِ، (وَلَمْ يُنِضَّ) الْأَوَّلُ؛ (حَرُمَ) الْخَلْطُ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ اسْتَقَرَّ؛ فَكَانَ رِبْحُهُ وَخُسْرَانُهُ مُخْتَصًّا بِهِ، فَضَمُّ الثَّانِي إلَيْهِ يُوجِبُ جُبْرَانَ خُسْرَانِ أَحَدِهِمَا بِرِبْحِ الْآخَرِ. (وَشَرْطُ) الْمُتَقَارِضَيْنِ (ضَمَّ) مَالٍ (ثَانٍ لَهُ)- أَيْ: لِلْأَوَّلِ (مُفْسِدٌ) لِلْعَقْدِ (وَإِذَا رَبِحَ الْمَالُ فَأَخَذَ رَبُّهُ بَعْضَهُ)- أَيْ: الْمَالِ- (كَانَ مَا أَخَذَهُ) رَبُّ الْمَالِ (مِنْ الرِّبْحِ وَرَأْسِ الْمَالِ فَلَوْ اشْتَرَى الْعَامِلُ عَبْدَيْنِ بِمِائَةٍ، فَتَلِفَ أَحَدُهُمَا، وَبَاعَ) الْعَامِلُ (الْآخَرَ بِخَمْسِينَ، فَأَخَذَ مِنْهَا رَبُّ الْمَالِ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ؛ بَقِيَ رَأْسُ الْمَالِ خَمْسِينَ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ أَخَذَ نِصْفَ) الْمَالِ (الْمَوْجُودِ، فَسَقَطَ نِصْفُ الْخُسْرَانِ. وَلَوْ) لَمْ يَتْلَفْ الْعَبْدُ و(بَاعَ) الْعَامِلُ (الْعَبْدَيْنِ بِمِائَةٍ وَعِشْرِينَ، فَأَخَذَ رَبُّ الْمَالِ سِتِّينَ، ثُمَّ خَسِرَ الْعَامِلُ فِيمَا مَعَهُ) مِنْ الْمَالِ (عِشْرِينَ)؛ فَلَهُ مِنْ الرِّبْحِ خَمْسَةٌ؛ (لِأَنَّ سُدُسَ مَا أَخَذَهُ رَبُّ الْمَالِ رِبْحٌ) وَسُدُسُهُ عَشْرَةٌ، (لِلْعَامِلِ نِصْفُهُ) خَمْسَةٌ؛ إذَا كَانَتْ الْمُضَارَبَةُ عَلَى الرِّبْحِ بَيْنَهُمَا، نِصْفَيْنِ (وَقَدْ انْفَسَخَتْ الْمُضَارَبَةُ فِيهِ) بِأَخْذِ رَبِّ الْمَالِ لَهُ؛ (فَلَا يَجْبُرُ بِهِ خُسْرَانَ الْبَاقِي) لِمُفَارَقَتِهِ. (وَإِنْ اقْتَسَمَا)- أَيْ: الْمُتَقَارِضَانِ (الْعِشْرِينَ الرِّبْحَ خَاصَّةً، فَخَسِرَ) الْمَالُ (عِشْرِينَ؛ فَعَلَى الْعَامِلِ رَدُّ مَا أَخَذَهُ، وَبَقِيَ رَأْسُ الْمَالِ تِسْعِينَ، لِأَنَّ الْعَشَرَةَ الْبَاقِيَةَ مَعَ رَبِّ الْمَالِ تُحْسَبُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ). وَمَهْمَا بَقِيَ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ وَجَبَ جَبْرُ خُسْرَانِهِ مِنْ رِبْحِهِ فَلَوْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ مِائَةً، فَخَسِرَ عَشْرَةً، ثُمَّ أَخَذَ رَبُّهُ عَشْرَةً، لَمْ يَنْقُصْ رَأْسُ الْمَالِ بِالْخُسْرَانِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَرْبَحُ فَيَجْبُرُ الْخُسْرَانَ مِنْ الرِّبْحِ. لَكِنْ يَنْقُصُ رَأْسُ الْمَالِ بِمَا أَخَذَ رَبُّهُ مِنْهُ، وَهُوَ الْعَشَرَةُ؛ وَقِسْطُهَا مِنْ الْخُسْرَانِ، وَهُوَ دِرْهَمٌ وَتُسْعُ دِرْهَمٍ، وَيَبْقَى رَأْسُ الْمَالِ ثَمَانِيَةً وَثَمَانِينَ وَثَمَانِيَةَ أَتْسَاعِ دِرْهَمٍ. فَإِنْ كَانَ رَبُّ الْمَالِ أَخَذَ نِصْفَ التِّسْعِينَ الْبَاقِيَةِ وَهُوَ خَمْسَةٌ وَأَرْبَعُونَ؛ بَقِيَ رَأْسُ الْمَالِ خَمْسِينَ دِرْهَمًا؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ أَخَذَ نِصْفَ الْمَالِ، فَسَقَطَ نِصْفُ الْخُسْرَانِ، وَإِنْ كَانَ رَبُّ الْمَالِ أَخَذَ خَمْسِينَ؛ بَقِيَ أَرْبَعَةٌ وَأَرْبَعُونَ وَأَرْبَعَةُ أَتْسَاعٍ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ خَمْسَةَ أَتْسَاعِ الْمَالِ؛ فَسَقَطَ خَمْسَةُ أَتْسَاعِ الْخُسْرَانِ، وَهِيَ خَمْسَةٌ وَخَمْسَةُ أَتْسَاعِ دِرْهَمٍ، يَبْقَى مَا ذُكِرَ.

.فَصْلٌ: [فَسْخُ الْمُضَارَبَةِ]:

(وَتَنْفَسِخُ) مُضَارَبَةٌ (فِيمَا تَلِفَ) مِنْ مَالِهَا (قَبْلَ عَمَلِ) الْعَامِلِ فِي مَالِهَا، وَيَصِيرُ الْبَاقِي رَأْسَ الْمَالِ؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ بِالْعَمَلِ لَمْ يُصَادِفْ إلَّا الْبَاقِيَ، فَكَانَ هُوَ رَأْسَ الْمَالِ، بِخِلَافِ مَا تَلِفَ بَعْدَ الْعَمَلِ، لِأَنَّهُ دَارَ بِالتَّصَرُّفِ، فَوَجَبَ إكْمَالُهُ؛ لِاسْتِحْقَاقِهِ الرِّبْحَ، لِأَنَّهُ مُقْتَضَى الشَّرْطِ. (فَإِنْ تَلِفَ) بَعْضُ رَأْسِ الْمَالِ قَبْلَ تَصَرُّفِ الْعَامِلِ فِيهِ، انْفَسَخَتْ الْمُضَارَبَةُ فِي التَّالِفِ، وَكَانَ رَأْسُ الْمَالِ هُوَ الْبَاقِي خَاصَّةً، لِأَنَّهُ مَالٌ هَلَكَ عَلَى جِهَتِهِ قَبْلَ التَّصَرُّفِ، أَشْبَهَ التَّالِفَ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَفَارَقَ مَا بَعْدَ التَّصَرُّفِ، لِأَنَّهُ دَارَ فِي التِّجَارَةِ، وَشُرِعَ فِيمَا قُصِدَ بِالْعَقْدِ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الْمُؤَدِّيَةِ إلَى الرِّبْحِ. (وَإِنْ تَلِفَ الْكُلُّ)؛ أَيْ: كُلُّ مَالِ الْمُضَارَبَةِ قَبْلَ التَّصَرُّفِ، (ثُمَّ اشْتَرَى) الْعَامِلُ (لِلْمُضَارَبَةِ شَيْئًا) مِنْ السِّلَعِ؛ فَهُوَ (كَفُضُولِيٍّ)؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَاهَا فِي ذِمَّتِهِ، وَلَيْسَتْ مِنْ الْمُضَارَبَةِ؛ لِانْفِسَاخِ الْمُضَارَبَةِ بِتَلَفِ الْمَالِ، فَبَطَلَ الْإِذْنُ فِي التَّصَرُّفِ، فَقَدْ اشْتَرَى لِغَيْرِهِ مَا لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ، فَكَانَ مَا اشْتَرَاهُ لَهُ، وَثَمَنُهُ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ عَلِمَ تَلَفَ الْمَالِ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ أَوْ جَهِلَهُ، مَا لَمْ يُجِزْ رَبُّ الْمَالِ شِرَاءَهُ فَيَكُونُ لَهُ، كَمَا تَقَدَّمَ فِيمَنْ اشْتَرَى لِغَيْرِهِ سِلْعَةً وَلَمْ يُسَمِّهِ. (وَإِنْ تَلِفَ) مَالُ الْمُضَارَبَةِ (بَعْدَ شِرَائِهِ)- أَيْ: الْعَامِلِ- (فِي ذِمَّتِهِ وَقَبْلَ نَقْدِ ثَمَنِ) مَا اشْتَرَاهُ؛ فَالْمُضَارَبَةُ بِحَالِهَا. (أَوْ تَلِفَ الثَّمَنُ)؛ أَيْ: مَالُ الْمُضَارَبَةِ بَعْدَ الْعَمَلِ (مَعَ مَا اشْتَرَاهُ) لَهَا؛ (فَالْمُضَارَبَةُ) بَاقِيَةٌ (بِحَالِهَا)؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ لِفَسْخِهَا هُوَ التَّلَفُ، وَلَمْ يُوجَدْ حِينَ الشِّرَاءِ وَلَا قَبْلَهُ، وَالثَّمَنُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ مُتَعَلِّقَةٌ بِهِ؛ كَالْمُوَكِّلِ، وَيَصِيرُ رَأْسُ الْمَالِ الثَّمَنَ دُونَ التَّالِفِ؛ لِتَلَفِهِ قَبْلَ التَّصَرُّفِ فِيهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ تَلِفَ قَبْلَ الْقَبْضِ. (وَيُطَالَبَانِ)؛ أَيْ: رَبُّ الْمَالِ وَالْعَامِلُ (بِالثَّمَنِ) الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ الْعَامِلُ؛ لِبَقَاءِ الْإِذْنِ مِنْ رَبِّ الْمَالِ، وَلِمُبَاشَرَةِ الْعَامِلِ، فَإِنْ غَرِمَهُ رَبُّ الْمَالِ، لَمْ يَرْجِعْ عَلَى أَحَدٍ؛ لِتَعَلُّقِ حُقُوقِ الْعَقْدِ بِهِ. (وَيَرْجِعُ بِهِ)- أَيْ: الثَّمَنِ- (عَامِلٌ)، إنْ دَفَعَهُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ؛ لِلُزُومِهِ لَهُ أَصَالَةً، وَالْعَامِلُ بِمَنْزِلَةِ الضَّامِنِ. (وَإِنْ أَتْلَفَ) الْعَامِلُ (مَا اشْتَرَاهُ لَهَا)- أَيْ: لِلشَّرِكَةِ (فِي ذِمَّتِهِ ثُمَّ نَقَدَ) الْعَامِلُ (الثَّمَنَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ بِلَا إذْنِ) رَبِّ الْمَالِ؛ (لَمْ يَرْجِعْ رَبُّ الْمَالِ عَلَيْهِ)- أَيْ: الْعَامِلِ- (بِشَيْءٍ)، وَالْعَامِلُ بَاقٍ عَلَى الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَدَّ فِيهِ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّ الْمَالِكَ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْعَامِلِ بِشَيْءٍ (إنْ لَمْ يَظْهَرْ رِبْحٌ)، أَمَّا إذَا ظَهَرَ رِبْحٌ؛ فَلِلْمَالِكِ الرُّجُوعُ بِحِصَّتِهِ مِنْهُ؛ لِعَدَمِ انْفِسَاخِ الْمُضَارَبَةِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَالْمُضَارَبَةُ) بَاقِيَةٌ (بِحَالِهَا)؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ لِفَسْخِهَا هُوَ التَّلَفُ، وَلَمْ يُوجَدْ حِينَ الشِّرَاءِ وَلَا قَبْلَهُ. (وَإِنْ قُتِلَ)- بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ- (قِنُّهَا)؛ بِأَنْ قَتَلَ عَبْدٌ لِأَجْنَبِيٍّ عَبْدًا مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ عَمْدًا؛ (فَلِرَبِّ الْمَالِ) أَنْ يَقْتَصَّ؛ لِأَنَّهُ مَالِكُ الْمَقْتُولِ، وَتَبْطُلُ الْمُضَارَبَةُ فِيهِ؛ لِذَهَابِ رَأْسِ الْمَالِ، وَلَهُ (الْعَفْوُ عَلَى مَالٍ، وَيَكُونُ) الْمَالُ الْمَعْفُوُّ عَلَيْهِ (كَبَدَلِ مَبِيعٍ)؛ أَيْ: ثَمَنِهِ؛ لِأَنَّهُ عِوَضٌ عَنْهُ، (وَالزِّيَادَةُ) فِي الْمَالِ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ (عَلَى قِيمَتِهِ)؛ أَيْ: الْمَقْتُولِ، الَّتِي اُشْتُرِيَ بِهَا (رِبْحٌ) فِي الْمُضَارَبَةِ، فَتَكُونُ بَيْنَ رَبِّ الْمَالِ وَالْعَامِلِ. مِثَالُ الزِّيَادَةِ: (كَأَنْ صُولِحَ) رَبُّ الْمَالِ (عَلَى أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ)؛ أَيْ: الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ فِي قَتْلِ عَمْدٍ، فَيَقْسِمَانِهَا عَلَى مَا شَرَطَا؛ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الرِّبْحِ (وَمَعَ) ظُهُورِ (رِبْحٍ) فِي الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ عَمْدًا، (الْقَوَدُ لَهُمَا)؛ أَيْ: لِرَبِّ الْمَالِ وَالْعَامِلِ كَالْمُصَالَحَةِ؛ لِأَنَّهُمَا صَارَا شَرِيكَيْنِ بِظُهُورِ الرِّبْحِ. (وَاذَا طَلَبَ عَامِلٌ الْبَيْعَ)؛ أَيْ: بَيْعَ مَالِ الْمُضَارَبَةِ، (وَقَدْ فُسِخَتْ) الْمُضَارَبَةُ (أَوَّلًا، فَأَبَى مَالِكٌ) الْبَيْعَ؛ (أُجْبِرَ) عَلَيْهِ (إنْ كَانَ) فِي الْمَالِ (رِبْحٌ)؛ لِأَنَّ حَقَّ الْعَامِلِ فِي الرِّبْحِ لَا يَظْهَرُ إلَّا بِالْبَيْعِ، فَأُجْبِرَ الْمُمْتَنِعُ عَنْ تَوْفِيَتِهِ، كَسَائِرِ الْحُقُوقِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ رِبْحٌ ظَاهِرٌ؛ لَمْ يُجْبَرْ الْمَالِكُ عَلَى الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ لَا حَقَّ لَهُ فِيهِ، وَقَدْ رَضِيَهُ مَالِكُهُ عَرْضًا. (وَمِنْهُ)- أَيْ: وَمِنْ الرِّبْحِ (مَهْرٌ) وَجَبَ بِوَطْءِ أَمَةٍ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ، أَوْ بِتَزْوِيجِهَا بِاتِّفَاقِهِمَا. (وَثَمَرَةٌ) ظَهَرَتْ مِنْ شَجَرٍ اُشْتُرِيَ مِنْ مَالِهَا، (وَأُجْرَةٌ) وَجَبَتْ بِعَقْدٍ عَلَى شَيْءٍ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ، أَوْ بِتَعَدٍّ عَلَيْهِ، (وَأَرْشُ) عَيْبٍ، وَأَرْشُ جِنَايَةٍ، (وَنِتَاجٌ) نَتَجَتْهُ بِمُهِمَّتِهَا. (وَإِتْلَافُ مَالِكٍ) الْمَالَ (كَقِسْمَةِ) الرِّبْحِ، (فَيَغْرَمُ) رَبُّ الْمَالِ (حِصَّةَ عَامِلٍ مِنْ رِبْحٍ)؛ كَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ (أَجْنَبِيٌّ)؛ فَإِنَّهُ يَغْرَمُ لِلْعَامِلِ حِصَّتَهُ، وَلِرَبِّ الْمَالِ رَأْسُ مَالِهِ وَحِصَّتُهُ. (وَحَيْثُ فُسِخَتْ) الْمُضَارَبَةُ، (وَالْمَالُ عَرْضٌ أَوْ دَرَاهِمُ، وَكَانَ دَنَانِيرَ أَوْ عَكْسَهُ)، بِأَنْ كَانَ دَنَانِيرَ وَأَصْلُهُ دَرَاهِمَ، (فَرَضِيَ رَبُّهُ بِأَخْذِهِ)؛ أَيْ: مَالِ الْمُضَارَبَةِ عَلَى صِفَتِهِ الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا؛ (قَوَّمَهُ)- أَيْ: مَالَ الْمُضَارَبَةِ- (وَدَفَعَ حِصَّتَهُ)- أَيْ: الْعَامِلِ- مِنْ الرِّبْحِ الَّذِي ظَهَرَ بِتَقْوِيمِهِ، (وَمَلَكَهُ)؛ أَيْ: مَلَكَ رَبُّ الْمَالِ مَا قَابَلَ حِصَّةَ الْعَامِلِ مِنْ الرِّبْحِ؛ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ عَنْ الْعَامِلِ الْبَيْعَ، وَقَدْ صَدَّقَهُ عَلَى الرِّبْحِ، فَلَا يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِ مَالِهِ مِنْ غَيْرِ حَظٍّ يَكُونُ لِلْعَامِلِ فِي بَيْعِهِ. فَإِنْ ارْتَفَعَ السِّعْرُ بَعْدَ التَّقْوِيمِ عَلَى الْمَالِكِ، وَدَفَعَ حِصَّةَ الْعَامِلِ؛ لَمْ يُطَالِبْ الْعَامِلُ رَبَّ الْمَالِ بِقِسْطِهِ؛ كَمَا لَوْ ارْتَفَعَ بَعْدَ بَيْعِهِ لِأَجْنَبِيٍّ، (إنْ لَمْ يَكُنْ) فَعَلَ رَبُّ الْمَالِ ذَلِكَ (حِيلَةً عَلَى قَطْعِ رِبْحِ عَامِلٍ؛ كَشِرَائِهِ نَحْوَ جُزْءٍ) كَطَعَامٍ (فِي الصَّيْفِ لِيَرْبَحَ فِي الشِّتَاءِ؛ فَيَبْقَى حَقُّهُ فِي رِبْحِهِ).
قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَإِنْ قَصَدَ رَبُّ الْمَالِ الْحِيلَةَ لِيَخْتَصَّ بِالرِّبْحِ؛ بِأَنْ كَانَ الْعَامِلُ اشْتَرَى خَزًّا فِي الصَّيْفِ لِيَرْبَحَ فِي الشِّتَاءِ، أَوْ يَرْجُو دُخُولَ مَوْسِمٍ أَوْ قَفْلٍ؛ فَإِنَّ حَقَّهُ يَبْقَى فِي الرِّبْحِ.
قَالَ فِي الْإِنْصَافِ قُلْتُ: هَذَا هُوَ الصَّوَابُ، وَلَا أَظُنُّ الْأَصْحَابَ يُخَالِفُونَ ذَلِكَ.
قَالَ الْأَزَجِيُّ: أَصْلُ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْحِيَلَ لَا أَثَرَ لَهَا. انْتَهَى.
(وَإِنْ لَمْ يَرْضَ) رَبُّ الْمَالِ بَعْدَ فَسْخِ مُضَارَبَةٍ بِأَخْذِ الْعِوَضِ أَوْ الدَّرَاهِمِ عَنْ الدَّنَانِيرِ أَوْ عَكْسِهِ، أَوْ طَلَبَ الْبَيْعَ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ فَسْخِ مُضَارَبَةٍ؛ (فَعَلَى عَامِلٍ بَيْعُهُ) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ؛ (وَقَبْضُ ثَمَنِهِ)؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ رَدَّ الْمَالِ نَاضًّا كَمَا أَخَذَهُ. (وَلَوْ لَمْ يَكُنْ) فِي الْمَالِ (رِبْحٌ)، فَإِنْ نَضَّ الْعَامِلُ رَأْسَ الْمَالِ جَمِيعَهُ، وَطَلَبَ رَبُّ الْمَالِ أَنْ يَنِضَّ لَهُ الْبَاقِيَ؛ لَزِمَ الْعَامِلَ أَنْ يَنِضَّ الْبَاقِيَ. وَلَوْ كَانَ صِحَاحًا فَنَضَّ قُرَاضَةً، أَوْ مُكَسَّرَةً؛ لَزِمَ الْعَامِلَ رَدُّهُ إلَى الصِّحَاحِ بِطَلَبِ رَبِّهَا، فَيَبِيعُهَا بِصِحَاحٍ أَوْ بِعَرَضٍ، ثُمَّ يَشْتَرِيهَا بِهِ؛ كَمَا يَلْزَمُ الْعَامِلَ بَعْدَ فَسْخِ الْمُضَارَبَةِ (تَقَاضِيهِ)- أَيْ: مَالِ الْمُضَارَبَةِ- (لَوْ كَانَ دَيْنًا) مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ كَانَ فِيهِ رِبْحٌ، أَوْ لَمْ يَكُنْ، لِاقْتِضَاءِ الْمُضَارَبَةِ رَدَّ رَأْسِ الْمَالِ عَلَى صِفَةٍ، وَالدُّيُونُ لَا تَجْرِي مَجْرَى النَّاضِّ، فَلَزِمَهُ أَنْ يَنِضَّهُ، وَلَا يَقْتَصِرُ فِي التَّقَاضِي عَلَى قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ نَصِيبَهُ مِنْ الرِّبْحِ عِنْدَ وُصُولِهِ إلَيْهِمَا عَلَى وَجْهٍ يُمْكِنُ قِسْمَتُهُ، وَوُصُولُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى حَقِّهِ مِنْهُ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ تَقَاضِيهِ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ تَقَاضِي الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُقْتَضَى عَقْدِ الْوَكَالَةِ. (وَإِنْ قَضَى عَامِلٌ بِرَأْسِ الْمَالِ دَيْنَهُ، ثُمَّ اتَّجَرَ بِوَجْهِهِ)؛ أَيْ: اشْتَرَى بِذِمَّتِهِ بِجَاهِهِ، وَبَاعَ، وَحَصَلَ رِبْحٌ، (وَأَعْطَى رَبَّهُ)؛ أَيْ: رَبَّ الْمَالِ الَّذِي قَضَى بِهِ دَيْنَهُ، (حِصَّتَهُ مِنْ الرِّبْحِ) مِنْ تِجَارَتِهِ بِوَجْهِهِ (مُتَبَرِّعًا بِهَا) لِرَبِّ الْمَالِ؛ (جَازَ) نَصًّا، نَقَلَ صَالِحٌ؛ أَمَّا الرِّبْحُ فَأَرْجُو إذَا كَانَ هَذَا مُتَفَضِّلًا عَلَيْهِ. (وَيَتَّجِهُ لَوْ امْتَنَعَ) الْعَامِلُ مِنْ دَفْعِهِ لِرَبِّ الْمَالِ حِصَّتَهُ مِنْ الرِّبْحِ؛ (لَمْ يُجْبَرْ)؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ ذَلِكَ بِجَاهِهِ، فَلَا يَلْزَمُهُ التَّبَرُّعُ بِهِ لِغَيْرِهِ. (وَأَنَّهُمْ)- أَيْ: الْأَصْحَابَ- (صَحَّحُوا قَضَاءَ دَيْنِهِ)- أَيْ: الْعَامِلِ- (بِمَالِ الْغَيْرِ بِلَا إذْنِهِ)؛ أَيْ: ذَلِكَ الْغَيْرِ، مَعَ حُرْمَةِ الْقَضَاءِ؛ لِتَعَدِّيهِ بِتَصَرُّفِهِ فِي الْمَالِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، وَلِرَبِّ الْمَالِ الرُّجُوعُ عَلَى مَنْ اسْتَوْفَى دَيْنَهُ مِنْ الْمُضَارِبِ، إنْ كَانَ مَوْجُودًا أَوْ لَا، فَيَرْجِعُ عَلَى الْمُضَارِبِ؛ لِأَنَّهُ كَالْغَاصِبِ. وَحَيْثُ صَحَّ قَضَاءُ دَيْنِهِ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ؛ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ إعْطَاءُ رَبِّ الْمَالِ مِنْ رِبْحِ مَا اتَّجَرَ بِوَجْهِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
فَائِدَةٌ:
لَوْ قَارَضَ الْمَرِيضُ، وَسَمَّى لِلْعَامِلِ فَوْقَ تَسْمِيَةِ الْمِثْلِ، وَمَاتَ فِي مَرَضِهِ؛ فَلِلْعَامِلِ أَخْذُ مَا سَمَّى لَهُ مِنْ الرِّبْحِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَيُقَدَّمُ بِهِ عَلَى سَائِرِ الْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْخُذُهُ مِنْ مَالِهِ، وَإِنَّمَا اسْتَحَقَّهُ بِعَمَلِهِ مِنْ الرِّبْحِ الْحَادِثِ، وَيَحْدُثُ عَلَى مِلْكِ الْمُضَارِبِ دُونَ الْمَالِكِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ حَابَى الْأَجِيرَ فِي الْأَجْرِ؛ فَإِنَّهُ يُحْتَسَبُ مَا حَابَاهُ مِنْ ثُلُثِهِ؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ يُؤْخَذُ مِنْ مَالِهِ. وَإِنْ سَاقَى الْمَرِيضُ، أَوْ زَارَعَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ؛ حُسِبَ الزَّائِدُ مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ عَيْنِ الْمَالِ، بِخِلَافِ الرِّبْحِ فِي الْمُضَارَبَةِ. (وَإِنْ مَاتَ عَامِلٌ) فِي مُضَارَبَةٍ، (أَوْ) مَاتَ (مُودِع)- بِفَتْحِ الدَّالِ- (أَوْ) مَاتَ (وَصِيٌّ) عَلَى صَغِيرٍ أَوْ مَجْنُونٍ أَوْ سَفِيهٍ، (وَجُهِلَ بَقَاءُ مَا بِيَدِهِمْ) مِنْ مُضَارَبَةٍ الْوَدِيعَةٍ وَمَالِ مُوَلِّيهِ؛ فَهُوَ (دَيْنٌ) لِصَاحِبِهِ (فِي التَّرِكَةِ) أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْمَالِ فِي يَدِ الْمَيِّتِ، وَاخْتِلَاطُهُ بِجُمْلَةِ التَّرِكَةِ، وَلَا سَبِيلَ إلَى مَعْرِفَةِ عَيْنِهِ؛ فَكَانَ دَيْنًا، وَلِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى إسْقَاطِ حَقِّ مَالِكِ الْمَالِ، وَلَا إلَى إعْطَائِهِ عَيْنًا مِنْ التَّرِكَةِ، لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ غَيْرَ عَيْنِ مَالِهِ، فَلَمْ يَبْقَ إلَّا تَعَلُّقُهُ بِالذِّمَّةِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلِأَنَّهُ لَمَّا أَخْفَاهُ وَلَمْ يُعَيِّنْهُ، فَكَأَنَّهُ غَاصِبٌ؛ فَتَعَلَّقَ بِذِمَّتِهِ.
قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ: قُلْتُ: وَقِيَاسُهُ نَاظِرُ الْوَقْفِ وَعَامِلُهُ، إذَا قَبَضَ لِلْوَقْفِ شَيْئًا وَمَاتَ، وَجُهِلَ بَقَاؤُهُ، وَقَدْ وَقَعَتْ مَسْأَلَةُ النَّاظِرِ وَأَفْتَيْتُ فِيهَا بِاللُّزُومِ. (وَإِنْ أَرَادَ مَالِكُ) مَالَ الْمُضَارَبَةِ بَعْدَ مَوْتِ عَامِلِهِ (تَقْرِيرَ وَارِثِ عَامِلٍ) مَكَانَهُ؛ (فـَ) تَقْرِيرُهُ (مُضَارَبَةٌ مُبْتَدَأَةٌ) لَا تَجُوزُ إلَّا عَلَى نَقْدٍ مَضْرُوبٍ، (فَلَا تَصِحُّ بِعَرْضٍ)، وَلَا صَنْجَةٍ غَيْرِ مَضْرُوبَةٍ. (وَلَا يَبِيعُ وَارِثُهُ)- أَيْ وَارِثُ الْعَامِلِ (عَرْضًا) لِلْمُضَارَبَةِ (بِلَا إذْنِ مَالِكٍ) لِلْمَالِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا رَضِيَ بِاجْتِهَادِ مُوَرِّثِهِ،- (وَلَا) يَبِيعُ (هُوَ)- أَيْ الْمَالِكُ (بِلَا إذْنِ وَارِثِ) الْعَامِلِ؛ لِوُجُودِ حَقِّهِ فِي الرِّبْحِ، (لِبُطْلَانِهَا)- أَيْ الْمُضَارَبَةِ- (بِمَوْتِ) الْعَامِلِ (فَإِنْ تَشَاحَّا)؛ أَيْ: رَبُّ الْمَالِ وَوَارِثُ الْعَامِلِ، بِأَنْ أَبَى كُلٌّ الْإِذْنَ لِلْآخَرِ فِي بَيْعِهِ؛ (بَاعَهُ حَاكِمٌ، وَيُقَسِّمُ الرِّبْحَ) عَلَى مَا شُرِطَ. (وَوَارِثُ مَالِكٍ) لِمَالِ الْمُضَارَبَةِ؛ (أَوْ وَلِيُّهُ)- أَيْ: الْمَالِكِ (لَوْ مَاتَ أَوْ جُنَّ) جُنُونًا مُطْبِقًا أَوْ تُوَسْوَسَ بِحَيْثُ لَا يُحْسِنُ التَّصَرُّفَ، أَوْ حُجِرَ- عَلَيْهِ لِسَفَهٍ؛ (كَهُوَ)؛ أَيْ: كَالْمَالِكِ لَوْ انْفَسَخَتْ الْمُضَارَبَةُ وَهُوَ حَيٌّ، وَتَقَدَّمَ؛ (فَيَتَقَرَّرُ مَا لِمُضَارِبٍ مِنْ رِبْحٍ مُقَدَّمًا بِهِ عَلَى الْغُرَمَاءِ)؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الرِّبْحَ بِالظُّهُورِ، فَكَانَ شَرِيكًا فِيهِ، وَلِأَنَّ حَقَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِعَيْنِ الْمَالِ لَا الذِّمَّةِ، فَكَانَ مُقَدَّمًا عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ؛ كَالْجِنَايَةِ (وَلَا يَشْتَرِي) عَامِلٌ بَعْدَ مَوْتِ رَبِّ الْمَالِ. (بِلَا إذْنِ) وَرَثَةٍ، وَيَكُونُ وَكِيلًا عَنْهُمْ؛ لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ بَطَلَتْ بِالْمَوْتِ. (وَهُوَ)- أَيْ الْعَامِلُ بَعْدَ مَوْتِ رَبِّ الْمَالِ (فِي) مَا يَلْزَمُهُ مِنْ (بَيْعِ) عَرْضٍ (وَاقْتِضَاءِ دَيْنٍ) مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ- (كَفَسْخٍ) لِلْمُضَارَبَةِ، (وَالْمَالِكُ حَيٌّ)، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ. (وَإِنْ أَرَادَ) الْوَارِثُ الْجَائِزُ التَّصَرُّفَ، أَوْ وَلِيُّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، إتْمَامَ الْمُضَارَبَةَ، وَالْمَالُ نَاضٌّ جَازَ، وَيَكُونُ رَأْسُ الْمَالِ الَّذِي أَعْطَاهُ الْمُوَرِّثُ وَحِصَّتُهُ مِنْ الرِّبْحِ رَأْسَ الْمَالِ، وَحِصَّةُ الْعَامِلِ مِنْ الرِّبْحِ شَرِكَةٌ لَهُ مُشَاعٌ، وَهَذِهِ الْإِشَاعَةُ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الشَّرِيكَ هُوَ الْعَامِلُ، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ التَّصَرُّفَ. وَإِنْ أَرَادَ وَارِثُ رَبِّ الْمَالِ (الْمُضَارَبَةَ، وَالْمَالُ عَرْضٌ)؛ فَمُضَارَبَةٌ مُبْتَدَأَةٌ؛ (لَمْ تَصِحَّ) عَلَى الْعُرُوضِ؛ لِأَنَّ الْقِرَاضَ قَدْ بَطَلَ بِالْمَوْتِ، وَكَلَامُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي جَوَازِهِ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي بِإِذْنِ الْوَرَثَةِ؛ كَبَيْعِهِ وَشِرَائِهِ بَعْدَ انْفِسَاخِ الْقِرَاضِ، ذَكَرَهُ الْمُوَفَّقُ.